أهلاً وسهلاً بكم داخل بلاد الرقص وَ المجون
أستمتعوا فـ أن المتع كثيرة هنا !

الثلاثاء، 9 مارس 2010

مذكرات أنثى لاجئه " 9 "


-41-

20 يونيو...
اليوم العالمي للاجئون...


مرهق هذا اليوم ,,, كئيب...

يذكرني باليتيم الذي أتعايش معهُ رغم أن والداي على قيد الحياة...

بعيدون كل البعد عما أشعرُ به ,,, أو حتى فعل أفعلهُ !...


تعريف التشرد من وجهة نظري وبهذا اليوم ,,, هو أن لا تجد قلباً دافئاً صادقاً يحتضنك...

والطعام مجرد وسيلة للبقاء على قيد الحياة...

والهواء النتن بهذا المنفى مضطرون لأن نجعلهُ يصل إلى القصبة الهوائية وإلى القفص الصدري كي يبقى هذا القلب سليماً لبعض الوقت أو حتى

يلتقي بالقلب الدافئ \ الصادق...


كل شي عالمي بهذا اليوم ,,, حتى جيبي المثقوب ,,, رغم هذا أنه يحتفظ ببضع من الدولارات !...

لا يهم كيف سأنفقهم ولا أين ,,, المهم أنهم بحوزتي ولا بد أن أنفقهم كي لا يسقطوا من جيبي المثقوب...


الصور التي تطفؤ بذاكرتي أكثر أتساخاً من قبل ,,, تجعلني أشعر بالغثيان ,,, أريد أن أتقيا....

لا ترحمني هذه الصور ,,, ولا تكتفي بـ تخويفي عمداً ,,,, بل تريد قتلي !...


أزحفُ إلى قوقعتي من جديد ,,,, لابد أن أبقى بها مزيداً من الوقت...

ملزمة أنا بها ,,, رغماً عن أنفي...

هذا اليوم ,,, أحببتها ,,, وبإرادتي لجأت إليها...

أشعر بقليل من الأمان وأنا بداخلها ,,, أبقى بها طفلة بجسد أنثى...

أنام \ أستفيق \ أتنفس بعمق \ أأكل \ أشرب \ ألتهم الكتب \ وأحلق كيفما أريد وبسلام ...


هذا اليوم ,,, لا شيء يتغلغل بداخلي ,,, لا يملؤني شيء...

الفراغ جميل ببعض الوقت ,,, فارغة أنا من كل شيء ,,,, سعيدة بهذا الفراغ...


هذا اليوم ,,, أكتفيتُ حد الأشباع من قصص الحب \ العشق \ الرحيل \ العذاب الدائم والمؤقت...

أكتفيتُ من الألم الذي صار كـ جزءً من جسدي يلازمني حيثما ذهبت ,,, فـ ستئصلتهُ بدون حقنة مخدر ,,,, كاد الألم يقتلني ,,, ولكنني تمكنتُ منه قبل أن يصبح ورماً لا أستطيع التخلص منه...

أكتفيتُ من كوني لاجئة أبحث عن لقمة حب تشبعني سنة كاملة !..


هذا اليوم ,,, لا أعلن عن هزائمي وخيباتي ولا عن أنتصاراتي...

لا أعلن توبتي عما حدتُ عنه وبكامل إرادتي وقوتي...

لا أعلن ركوعي حزناً ولا فرحة...


هذا اليوم ,,, أحملُ ورداً لنعش اللاجئون...

أقبلُ جباههم ,,, وأغمضُ عيونهم...

ناموا بسلام أيها اللاجئون

ناموا بسلام أيها اللاجئون...



يونيو \ 2009 م

* * *

-42-

ليس تملقاً أن كتبتُ لهُ كتباً ورسائل !..

أصبحتُ أستطيع أن أكتب ما اشاء لهُ حباً وإخلاصاً وعشقاً لنظرة عينيه الذائبتين بإعماقي...

رحل حيث لا عودة لهُ من جديد...


سنتان كاملتان وما يقارب الساعتين يدي ملتصقة بيده ,,, أراقبُ تقاسيم وجهه الهادئ...

قبل أن أغادر غرفتهُ البيضاء ,,, وشراشفه البيضاء ,,, وستائره البيضاء ,,,, وكل شيء أبيض بتلك الغرفة ,,, أهمس بـ أذنه " أبتسم , أنت كالقمر"...

يبتسم ,,, يعانقي بعينيه ,,, أقبلهُ وأغادر...


حزمتُ حقائب حزني بهذا المنفى وألقيتُ بها بـ قلب بئر,,, تأملتُ أنابيب الماء والأدوية التي تخرج من أنفه وفمه ويداه ,,, تقتلني تلك الصورة ولكنني أبتسم إليها تفادياً لمضاعفة الألم بداخله \ بداخلي !...

كان كل شي يسير بشكل منهك ,,, ولكنه يسير ,,,, أنظر إلى القلب المرسوم الذي يدق فوق الجهاز ,,, أرجوه أن لا يتوقف ,,, أرجوه أن يتابع النبض...

أخاطبهُ بكلتا عيناي : حفيدتك منهكة ,,,, أنه ليس وقت الرحيل ,,,, بالله عليك لا تنم طويلاً ,,,, أنه ليس وقت النوم ,,, أفتح عيناك فـ أنا أخافُ حين تغلقهما...

وأغلق عيناه ,,, وتوقف ذالك الجهاز اللعين ,,, توقف قلبه راحلاً إلى السماء...


بداخلي حزن كبير لفقده ,,, ربما لهذا لا شيء يمنحني السعادة...

لا شيء يعزي قلبي \ يعزيني بـ الذكرى الرابعة لفقده...


" كل شيء يمضي نحو النسيان

إلا هو ,,, عالقاً بذاكرتي الصغيرة \ المنهكة "...


يونيو \ 2009 م

* * *

-43-

لم أكن لأغار من امرأة عابرة فوق فراش حميميته أبداً ,,, بل كنتُ أغار من غرفة يلجئ إليها لجؤ مبهم السبب لدي !..

سـ أجن ,,, عقلي لا يحتمل مزيداً من الدفاع عنهُ وإليه وضدهُ وكل شيء يتعلق بهذا الأمر...

كل ما أعلمهُ أنني أخاف عليه ,,, مايمسهُ يمسني ,,, ما يؤذيه يؤذيني !...

كل هذا الخوف يتصاعد ويتكسر داخل هذا الصدر الممتلئ بالحزن والألم...


هستيريه !

هكذا أنا حينما يتملكني شعور ما ,,, أضحك بعنفوان وقوة ,,, وأبكي بصراخ وتنهدات...

وأيضاً ...

أغار بهستيريه !

كنتُ أتمنى أن يصفعني طيفه ,,, كنتُ أتمنى ذالك بصدق ,,, ولكنه تركني هكذا وترك الجنون يسيطر على بقية عقلي...

ذهب للنوم ,,, أو ربما ذهب لمشاهدة آخر حدث سياسي يتصدر الأخبار الصفراء والشاشة الواسعة \ الضيقة التي تخنقني حين أمعن النظر إليها...


أحاول الهروب قليلاً ,,, أغرقُ بتفاصيل منزلية لا تحتاج إلى تركيز...

اليوم ,,, غرقتُ بغسل الأطباق ,,, كـ عادتي أكسر طبقاً وأجرح يدي ,,, لم أشعر به وهو يتكسر ,,, لم أشعر بـ ألم الجرح ,,, ولم أنتبه لذلك حتى إلا عندما سقطت قطرات الدم ملوثة بقية الأطباق !..

أبتسم ,,, دواخلي تحدثني " وقتاش ينتهي هالهبال يالهبيله ؟.. وحق ربي احبابك دوك تقلقيهم وما تلقاي تا واحد معاك "...

ألملم بقايا شظايا الزجاج \ القلب...

ألملم ما أستطعت أن ألملمه بحذر ورغبة بالصراخ...


" الخامسة صباحاً

لا رغبة لي بـ المواصلة والكتابة...

رغبتي الآن فيروزيه

سـ أغرق بصوت فيروز و أغنياتها الرائعة "...

صباحكم فيروز وسكر...



26 يونيو \ 2009 م

* * *

-44-

أقسم لأمي أنه طالما يكون هو على قيد الحياة فـ لن تحتاج شيء ما...

وأقسم لي أنني سـ أبقى طفلتهُ التي يشتاق إليها ومهما كبرتُ سـ أبقى بعينيه طفلة \ نقية...


بقيتُ طفلة لأعوام طويلة ,,, طويلة جداً ,,, وهرمت بعدها !..

أكاد أسال الرائح والآتي : كيف هي مراحل الحياة التي يمر بها الأنسان ,,, فـ أنا قد علمتُ بـ المدرسة أن بعد الطفولة مراهقة وبعد المراهقة شباب

وبعد الشباب النضوج وبعد النضوج تأتي المراحل الصعبة فـ يشيب بها الرأس وتضعف بها بنية الشخص وهذه المرحلة التي تسمى بالمشيب ؟!..

كيف هذا يا رائح \ يا آتي و أنا لم أمر بهذه المراحل جميعها ,,, فـ عشت منها أثنتان فقط !!...


اتأمل صورته بعمق ,,, أشعر أن عيناه تتحرك وتنظر إلي ,,, اتأملها طويلاً...

هل من الممكن أن تتحرك تلك الصورة الجامدة وتخرج إلى هذه الدنيا ؟

هل من الممكن أن تحدثني ؟

خرافة أن قلتُ أنها تحركت وحدثتني ,,, بل سـ تقولون " مجنونه "...


أسردُ جميع الأخبار ,,, مفصلة ...

يقول : ألستِ جائعة ,,, لم تأكلي شيئاً منذ الصباح ؟

أتابع السرد ,,, لم أنتهي ,,, أسردها كـ نشرة أخبار التاسعة والنصف مطولة ... مطولة...

يكررها : ألستِ جائعة ,,, لم تأكلي شيئاً منذ الصباح ؟

أأتيه بالأخضر واليابس ,,, المحزن قبل المفرح وأتابع .. أتابع...

يكررها ثالثاً : ألستِ جائعة ,,, لم تأكلي شيئاً منذ الصباح ؟

هذه المرة أجيبه ,,, لااااااا ,,, جائعة بك وبحبك وبإشتياقك ,,, جائعة إليك وإلى أحضانك...


يعود مرة أخرى من حيث آتى...

تركني حيث العزلة تأكل شيء فـ شيء من عقلي !..


" موعداً آخر يا حبيبي ؟

وهل الأموات يحتاجون إلى موعد

أجل ,,, أنا أحتاجه ,,, متى ؟

كل ليلة أن شئتِ "...



28 يونيو \ 2009 م

* * *

-45-

لا أحتاج إلى عاطفة باردة فـ أأكلها وتمزق أحشائي برداً وألماً وتزكمني فـ أسعلها خيبة !...

لا أحتاج بـ هذا المنفى إلا لشيء صادق ,,, شيء لا أعلم ما هو حقاً وكيف يكون ,,, كل ما أعلمهُ أنه صادق \ أبيض كالندف...


بتُ أكرهُ الأشياء الجحيمية ولا أنظر إليها مطلقاً...

أنني أحلم بقطعة من الجنة سقطت على الأرض ,,, ليس غضباً كما أنزل آدم منذ قرون عديده ,,, ولا سهواً ,,, فـ ممتلكات الله لا تسقط سهواً ,,,

وإنما أريدها هبة من الله لي...


هذه المرة ,,, حلمي عريق ,,, لا يشبهُ حلم طفلة لم تتجاوز الأعوام الأولى من حياتها...

هذه المرة ,,, صمدتُ صمود لم أكن أعلمهُ بي ,,, فـ منحتُ نفسي شهادة صبر فراقه...

هذه المرة ,,, صرخت بداخلي بقوة وقلت : أن أصبر على فراقه خير من أصبر على موته ,,, هذه هي الحياة لقاء وفراق ,,, ذهابه أفضل ,,, لا يجدر بي أن أتعلق به مزيداً من الأعوام ,,, فـ كل من تعلقت بهم رحلوا من هذه الحياة ,,, أغمضوا عيونهم ,,, أستسلموا للإقدار ,,, وأنا لا أريدهُ أن يستسلم ,,, أريد له مزيداً من ألق ومن نجاح...

هذه المرة ,,, اشتقت إليه كثيراً وجعلتُ هذه الكلمة تنام فوق شفتاي وأنا من تعودت أن أطلق جميع الكلمات التي أشعر بها !...

هذه المرة ,,, أسير بشكل عشوائي بهذا المنفى ,,, لا آبه لخطواتي ,,, شاردة الذهن أواصل السير ,,, ربما تسقط معجزة فوق رأسي وتغير قانون السير العشوائي هذا...

كم أنا مؤمنة بهذة المعجزة التي لم تأتي بعد ,,, مؤمنة أنها سـ تأتي قريباً وستغير هذا المجرى...

أنه العد التنازلي ,,, وكم أخشاه ,,, ولكنه سـ يكون رائع ,,, رائع إلى جميع الأطراف...


كتبت له مؤخراً عبر رسالة لن تصل إليه : أنه الصيف يا حبيبي ,,, يجفف مشاعر النساء ,,, لا تقلق فـ أنا لستُ من النساء ومشاعري لن تجفف البته ,,, لهذا أنطلق وعش صيفك الحافل بالمغامرات والنساء والفقاعات التي سوف تنتهي بنهاية هذا الصيف ,,, ولو كان بوسعي لأقسمت عليك بـ الأولياء أن تعش وتمضي نحو الصواب ,,, ولكن ليس بوسعي إلا أن أتمنى لك هذا ولك الخيار...


أشعر أنه يقول لي : حمقاء \ بلهاء ,,, هذا ليس شأنك...

أجل أنه ليس شأني ,,, ولكن الله قد أختار أن يضعك أمامي ويملء قلبي بك...

أنه الحب الذي يقودني إلى مسالك طريقك ,,, لا أحبه أن يكون أعرج \ متقطع...

هذه المرة أيضاً ,,, وقفت أتطلع إلى مسالك طريقه بصمت حاد مؤرق ,,, لم أستطع أن أنهيه ولا أدفعه إلى الصواب ,,, فقط أكتفيتُ بـ الأمنيات الخرساء التي تطبق فوق صدري وتؤلمني كلما زدت حباً به !...



يونيو \ 2009 م



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق